الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1079- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها فقال زيد بن ثابت لا الأم مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب. 1080- مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست فأرخص في ذلك ثم إن بن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإنما الشرط في الربائب فرجع بن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارق امرأته قال أبو عمر قال الله - عز وجل (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) إلى قوله (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) [النساء 23]. فأجمعت الأمة أن الرجل إذا تزوج امرأة ولها ابنة أنه لا تحل له الابنة بعد موت الأم أو فراقها إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بالأم حتى فارقها حل له نكاح الربيبة وأن قوله - عز وجل (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) [النساء 23]. شرط صحيح في الربائب اللاتي في حجورهم واختلفوا إذا لم تكن الربيبة في حجره بما سنورده بعد في موضعه - إن شاء الله تعالى واختلفوا في أمهات النساء هل دخلن في شرط الدخول أم لا فقالت طائفة الأم والربيبة سواء لا تحرم واحدة منهما إلا بالدخول بالأخرى وتأولوا على القران ما في ظاهره فقالوا المعنى وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وزعموا أن قوله عز وجل (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) راجع إلى الأمهات والربائب وإلى هذا كان بن مسعود يذهب فيما أفتى به في الكوفة ثم لما دخل المدينة نبه على غفلته في ذلك فرجع عنه وقيل إن عمر رده عن ذلك ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن بن مسعود أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى بن مسعود فأمره أن يفارقها ويتزوج أمها إن كان لم يمسها فتزوجها وولدت له أولادا ثم أتى بن مسعود المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنها لا تحل له فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل إنها عليك حرام ففارقها. وأخبرني معمر عن يزيد بن أبي زياد أن عمر بن الخطاب - فيما أحسب - هو الذي رد بن مسعود عن قوله ذلك قال أبو عمر هذا القول الذي كان بن مسعود أفتى به ثم رجع عنه يروى عن علي بن أبي طالب واختلف فيه عن بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري ولم يختلف عن بن الزبير وعن مجاهد فيها روى سماك بن الفضل أن بن الزبير قال الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد عن مجاهد أنه قال وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقال أريد بهما جميعا الدخول قال بن جريج. وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الرجل ينكح المرأة ثم تموت قبل أن يمسها أنه ينكح أمها - إن شاء قال بن جريج. وأخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر بن الأجدع عن أبيه عن بن عباس مثله وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن أبي عروبة عن قتادة في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها أيتزوج أمها قال قال هي بمنزلة الربيبة وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن عليا - رضي الله عنه سئل عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها قال علي هي بمنزلة واحدة يجريان مجرى واحدا إن طلق الابنة قبل أن يدخل بها تزوج أمها وإن تزوج أمها ثم طلقها قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بهذا من فقهاء الأمصار - أهل الرأي والحديث الذين تدور عليهم وعلى أصحابهم الفتوى والحديث فيه عن علي - رضي الله عنه - ضعيف لا يصح لأن خلاسا يروي عن علي مناكير ولا يصحح روايته أهل العلم بالحديث ومرسل قتادة عنه أضعف وجابر بن عبد الله وبن عباس مختلف عنهما في ذلك فلا يصح فيه عن من لم يختلف عليه إلا بن الزبير ومجاهد وفرقة قالت بذلك ليس لها حجة ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني سعيد عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى (وأمهات نسائكم) [النساء 23]. قال هي مبهمة فهذا خلاف ما تقدم عنه وقد قال بن جريج قلت لعطاء أكان بن عباس يقرأ (وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن) فلم يعرف ذلك قال بن جريج قلت لعطاء الرجل ينكح المرأة ثم لا يراها ولا يجامعها أتحل له أمها قال لا هي مرسلة وروى هشيم ويزيد بن هارون قالا أخبرنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أنه سئل عن قوله - عز وجل (وأمهات نسائكم) [النساء 23]. قال هي مبهمة فأرسلوا ما أرسل الله وما بين فاتبعوه فكان يكره الأم على كل حال ويرخص في الربيبة إذا لم يدخل بأمها ويقول أرسل الله هذه وبين هذه وقال أبو بكر حدثني علي بن مسهر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين في أمهات نسائكم قال هي مبهمة وبه قال الحسن وهو قول بن عمر وبن مسعود وبه قالت طائفة من التابعين منهم طاوس وبن شهاب الزهري وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا تحل له أمها)). وأما زيد بن ثابت فروى قتادة عن سعيد بن المسيب عنه خلاف ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عنه روى سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد أنه كان يقول إن طلق الابنة طلاقا قبل أن يدخل بها تزوج أمها - إن شاء - وإن ماتت فأصاب ميراثها فليس له أن يتزوج أمها وقول زيد بن ثابت هذا قول ثالث ويحتمل أن يكون ما ذكرناه عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر مثل قول زيد بن ثابت لأنه ذكر الموت فيه ولم يذكر الطلاق وهو عندي قول لا حظ له من النظر لأن إصابته الميراث ليس بدخول ولا مسيس والله عز وجل قد شرط الدخول وبالله التوفيق وأجمع العلماء على أن من وطىء امرأته فقد حرمت عليه ابنتها وأمها وأنه قد استوفى معنى قول الله تعالى (اللاتي دخلتم بهن) [النساء 23]. واختلفوا فيما دون الوطء مثل اللمس والتجريد والنظر إلى الفرج لشهوة أو غير شهوة هل ذلك كالوطء الذي هو الدخول المجتمع عليه أم لا فقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والثوري والليث والشافعي إذا لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها واختلفوا في النظر إلى فرجها وإلى محاسنها لشهوة هل يحرم ذلك الابنة والأم أم لا وسنذكر ذلك في باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه إن شاء الله تعالى قال مالك في الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعا ويحرمان عليه أبدا إذا كان قد أصاب الأم فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم قال أبو عمر إنما قال ذلك للأصل الذي قدمنا وهو قول الله - عز وجل - في تحريم من حرم من النساء (وأمهات نسائكم) [النساء 23]. فمن كان تحته امرأة قد دخل بها حرمت الأم عليه بإجماع من المسلمين لأنها من أمهات النساء المدخول بهن ولو لم يدخل بها حرمت عليه أمها بالسنة عند الجمهور على ما ذكرنا في هذا الباب عنهم في أن الآية مبهمة في أمهات النساء دخل بهن أو لم يدخل فإذا أصاب الأم بذلك النكاح حرمت عليه الابنة بشبهة النكاح وإن كان العقد فاسدا لأن غيرنا يحرمه بالزنى فتحريمه بشبهة النكاح الذي يلزم فيه مهر المثل أولى وقد كانت الأم محرمة بالعقد على الابنة فمن هذا وجب عليه مفارقتهما جميعا وحرمتا عليه أبدا فإن لم يصب الأم إلا بشبهة ذلك النكاح فسخ نكاحها لأنه نكاح فاسد غير منعقد وقر مع امرأته وهذا كله قول الكوفيين والشافعي وجمهور الفقهاء قال أبو عمر قد مضى القول في الربيبة بما فيه شفاء - إن شاء الله. وأما بنت الربيبة فقد اختلف في تحريمها فقال الجمهور إنها محرمة تحريما مطلقا كبنات البنات وكالأمهات وأمهات الأمهات وإن علون وعلى هذا القول مذاهب جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي وأصحابهما روي ذلك عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وأهل المدينة وقالت طائفة من الكوفيين تزوج ابنة الربيبة حلال إذا لم يدخل بأمها وجعلوها كابنة العم وابنة الخالة فإن الله حرمها كتحريم الربيبة إذا بين وأحل بناتهما واحتجوا بقول الله - عز وجل - حين حرم ما ذكره في كتابه ثم قال (وأحل لكم ما وراء ذالكم) [النساء 24]. وقد اجمع العلماء على أن ما لم يحرمه الله فهو مباح والقول في بنت الربيبة أعم وأكثر وبه أقول وبالله التوفيق. وأما قول مالك في هذا الباب في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنه لا تحل له أمها أبدا ولا تحل لأبنه ولا تحل له ابنتها وتحرم عليه امرأته فالقول في هذه المسألة قبلها يغني عن الكلام فيها إلا في قوله لا تحل لأبنه ولا لأبيه فإن معنى قوله في ذلك ظاهر قول الله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) [النساء 22]. ولم يخص نكاحا فاسدا من صحيح فكل نكاح يدرأ به الحد ويلزم فيه الصداق يحرم من الأم والابنة على الأب والابن ما يحرم النكاح الصحيح وكذلك حلائل الأبناء سواء. وأما قوله في هذا الباب قال مالك فأما الزنى فإنه لا يحرم شيئا من ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال (وأمهات نسائكم) [النساء 23]. فإنما حرم ما كان تزويجا ولم يذكر تحريم الزنى فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس عندنا قال أبو عمر قد جود مالك فيما احتج به من ذلك وسنذكر اختلاف العلماء في التحريم بالزنى وهل يحرم الحرام حلالا أم لا في الباب بعد هذا - إن شاء الله عز وجل وقد اختلف أصحاب مالك فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة ففرق بينهما قبل المسيس هل تحل له الأم أم لا فقال بن القاسم في ((المدونة)) إذا تزوج الأم والابنة معا في عقدة واحدة ولم يمسها حتى فرق بينهما تزوج الأم إن شاء وقال سحنون لا يتزوجها للشبهة التي فيها قال أبو عمر فإن مس واحدة منهما ففي ((المدونة)) لابن القاسم يفرق بينهما وقد حرمت عليه التي لم يدخل بها أبدا ويتزوج التي دخل بها إن شاء كانت الأم أو الابنة وفي ((العتبية)) روى أصبغ عن بن القاسم أنه إن كان دخل بالأم حرمتا عليه جميعا أبدا وإن كان دخل بالابنة تزوجها إن شاء الله وهذا أصح إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل. قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها إنه ينكح ابنتها وينكحها ابنه إن شاء وذلك أنه أصابها حراما وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال أو على وجه الشبهة بالنكاح قال الله تبارك وتعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) [النساء 22]. قال مالك فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها قال أبو عمر قال الله - عز وجل (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية إلى قوله ( وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) [النساء 23]. ثم قال (وحلائل أبنائكم) [النساء 23]. ثم قال (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) [النساء 22]. وأجمع العلماء على أن النكاح الحلال الصحيح يحرم أم المرأة أو ابنتها إذا دخل بها وكذلك كل نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ به الحد يحرم أم المرأة على أمها ويحرم ربيبتها إذا دخل بها ويحرم زوجة الابن وزوجة الأب بكتاب الله عز وجل والسنة المجتمع عليها واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة هل يحل له نكاح ابنتها وأمها وكذلك لو زنا بالمرأة هل ينكحها ابنه أو ينكحها أبوه وهل الزنى في ذلك كله يحرم ما يحرم النكاح الصحيح أو النكاح الفاسد أم لا فقال مالك في ((موطئه)) إن الزنى بالمرأة لا يحرم على من زنا بها نكاح ابنتها ولا نكاح أمها ومن زنا بأم امرأته لم تحرم عليه امرأته بل يقتل ولا يحرم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال وهو قول بن شهاب الزهري وربيعة وإليه ذهب الليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وداود وروي ذلك عن بن عباس وعقال في ذلك لا يحرم الحرام الحلال وقاله بن شهاب وربيعة واختلف فيه عن سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وذكر بن القاسم عن مالك خلاف ما في ((الموطإ)) فقال من زنا بأم امرأته فارق امرأته وهو عنده في حكم من نكح أم امرأته ودخل بها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي كلهم يقولون من زنا بأم امرأته حرمت عليه امرأته قال سحنون أصحاب مالك كلهم يخالفون بن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في ((الموطإ)) وقال الأوزاعي عن الزهري في الرجل يزني بالمرأة إن شاء تزوج ابنتها قال الأوزاعي لا نأخذ به وقال الأوزاعي عن عطاء أنه كان يفسر قول بن عباس لا يحرم حرام حلالا أنه الرجل يزني بالمرأة فلا يحرم عليه نكاحها زناه بها وقال الليث إن وطئها وهو يتوهم جاريته لم يحرمها ذلك على ابنه قال الطحاوي وهذا خلاف قول الجميع إلا شيئا روي عن قتادة وروي عن عمران بن حصين في رجل زنا بأم امرأته قال قد حرمت عليه امرأته قال أبو عمر قد خالفه بن عباس في ذلك فقال لا تحرم عليه والله عز وجل إنما حرم على المسلم تزويج أم امرأته وابنتها وكذلك إذا ملكت يمينه امرأة فوطئها بملك اليمين حرمت عليه أمها وابنتها وكذلك ما وطىء أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطىء ابنه بذلك فدل على المعنى في ذلك الوطء الحلال والله المستعان وقد أجمع هؤلاء الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار المسلمين - أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنا بها إذا استبرأها فنكاح أمها وابنتها أحرى وبالله التوفيق وسنذكر اختلاف السلف في تحريم نكاح الزانية على من زنا بها في موضعه إن شاء الله عز وجل. 1081- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق هكذا رواه جمهور أصحاب مالك وقال فيه بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار معنى ما رواه عنه يحيى في (( الموطإ)) وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له ها هنا وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله للبول وزعموا أن ذلك لا يكون منه إلا بعد مفارقته حال الصغر إلى حال يمكن فيها الوثوب على الأنثى للنسل وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ يقال منه شغر الكلب يشغر إذا رفع رجله فبال أو لم يبل ويقال شغرت المرأة شغرا إذا رفعت رجلها للنكاح فهذا معنى الشغار في اللغة. وأما معناه في الشريعة فهو أن ينكح الرجل وليته رجلا على أن ينكحه الآخر وليته ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع هذه على ما فسره مالك وجماعة الفقهاء وكذلك ذكر ((الخليل)) أيضا في ((العين)) وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ولا يجوز واختلفوا فيه إذا وقع هل يصح بمهر المثل أم لا فقال مالك لا يصح نكاح الشغار دخل بها أو لم يدخل ويفسخ أبدا قال وكذلك لو قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار فلا خير في ذلك قال بن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ويثبت بمهر المثل ويفسخ في الأول دخل أو لم يدخل على ما قاله مالك. وقال الشافعي إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا ويشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وهما يليان أمرهما على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم واحد منهما صداقا فهذا الشغار ولا يصح عقد هذا النكاح ويفسخ قبل البناء وبعده قال ولو سمى لإحداهما صداقا أو لهما جميعا فالنكاح ثابت بمهر المثل والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثله إن كان دخل بها أو نصف مهر مثله إن كان طلقها قبل الدخول. وقال أبو حنيفة إذا قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وتكون لكل واحدة بالأخرى فهو الشغار ويصح النكاح بمهر المثل وهو قول الليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وبه قال الطبري قال أبو عمر قوله فيمن نكح على خمر أو خنزير كقولهم في الشغار على ما ذكرنا عنه وقال أبو عبيد لا يكتب النكاح في شيء من ذلك ذكره في الخمر والخنزير قال أبو عمر حجة من أبطل النكاح في الشغار وسائر المهور المحرمة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار فهو فعل طابق النهي ففسد لقول الله عز وجل (وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر 7]. ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم)) ولقوله عليه السلام ((كل عمل ليس عليه أمرنا - يعني سنتنا - فهو رد)) يعني مردودا وحجة من قال أن العقد في الشغار صحيح والمهر فاسد ويصح بمهر المثل إجماع العلماء على أن الخمر والخنزير لا يكون شيء منهما مهرا لمسلم وكذلك الغرر والمجهول وسائر ما نهى عن ملكه أو ملك على غير وجهه وسنته وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول فلا يفسخ لفساد صداقه ويكون فيه مهر المثل بخلاف سائر المعاوضات من البيوع والإجارات وغيرها المضمونات بأثمانها قالوا وإذا لم يفسخ لذلك بعد الدخول فكذلك لا يفسخ قبل الدخول لأنه لو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار حلالا بالدخول والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض بدليل تجويز الله تعالى النكاح بغير صداق وذلك قوله (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) [البقرة 236]. يريد ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا لهن فريضة فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق والله أعلم. 1082- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع أبني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها هكذا روى مالك هذا الحديث فقال فيه وهي ثيب في درج الحديث ورواه غيره فجعله من بلاغ يحيى بن سعيد ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أخبره أن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد الأنصاريين أخبراه أن رجلا منهم يدعى خداما أنكح ابنة له فكرهت نكاح أبيها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد نكاح أبيها فخطبت فنكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا وروى بن عيينة هذا الحديث فلم يذكر فيه وكانت ثيبا ذكره الحميدي وغيره عنه قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي عليه السلام فرد نكاحها هكذا رواه بن عيينة لم يقم إسناده وقال فيه بعض أصحاب عبد الرحمن أنها كانت ثيبا قال بن عيينة. وحدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن امرأة من آل جعفر بن أبي طالب تخوفت أن ينكحها وليها فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد تشهدهما أنه ليس لأحد من أمري شيء فأرسلا إليها ألا تخافي فإن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها قال أبو عمر لم يذكر بن عيينة أيضا في هذا الحديث ثيبا ولا بكرا وروى حديث خنساء هذا محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء بنت خدام بن خالد قال وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فخطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر فارتفع شأنها إلى النبي عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أباها أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر بن إسحاق في حديث خنساء أنها كانت ثيبا فدل على صحة رواية مالك وإذا كانت ثيبا كان حديثا مجتمعا على صحته والقول به لأن القائلين لا نكاح إلا بولي يقولون أن الثيب لا يزوجها أبوها ولا غيره من أهلها إلا بإذنها ورضاها ومن قال ليس للولي مع الثيب أمر فهو أحرى باستعمال هذا الحديث وكذلك الذين أجازوا عقد النكاح بغير ولي وقد تقدم ذكر القائلين بهذه الأقوال في هذا الكتاب ولا اعلم مخالفا في أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا لغيره من الأولياء إكراهها على النكاح إلا الحسن البصري فإن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يقول نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا اكرهها أو لم يكرهها ولا أعلم أحدا تابعه والله أعلم قال بن القاسم قال لي مالك في الأخ يزوج أخته الثيب برضاها والأب ينكر إن ذلك جائز على الأب قال مالك ما له ولها وهي مالكة أمرها. وقال أبو حنيفة وأصحابه في الثيب لا ينبغي لأبيها أن يزوجها إلا برضاها فإن استأمرها أمرته يزوجها وإن لم تأمره لم يزوجها بغير أمرها فإن زوجها بغير أمرها ثم بلغها كان لها أن تجيزه فإن أجازته جاز وإن أبطلته بطل قال إسماعيل أصل قول مالك في هذه المسألة أنه لا يجوز أن أجازته إلا أن يكون بالقرب استحسن أجازته بالقرب كأنه في وقت واحد ونور واحد وأبطله إذا بعد لأنه عقده عليها - بغير أمرها ليس بعقد ولا يقع فيه طلاق وقال بن نافع سألت مالكا عن رجل زوج أخته ثم بلغها فقالت ما أرضى ولا أمرته بشيء ثم كلمت في ذلك فرضيت قال مالك لا أراه نكاحا جائزا ولا يقام عليه حتى يستأنفا جديدا أن شاءت. وقال الشافعي وأحمد بن حنبل من زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت. وقال الشافعي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خدام ولم يقل إلا أن تخبرني قال أبو عمر كانت خنساء بنت خدام هذه تحت أنيس بن قتادة الأنصاري فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)). 1083- مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال بن وضاح يقول هذا تغليظ من عمر قال أبو عمر معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني والزاني من وطىء فرجا لا شبهة له في وطئه وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة فأسر ذلك فكان يختلف إليها في منزلها فرآه جار لها يدخل عليها فقذفه بها فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين ! هذا كان يدخل على جارتي ولا أعلمه تزوجها فقال له قد تزوجت امرأة على شيء دون فأخفيت ذلك قال فمن شهدكم قال أشهدنا بعض أهلها قال فدرأ الحد عن قاذفه وقال أعلنوا هذا النكاح وحصنوا هذه الفروج قال. وحدثني بن فضيل عن ليث عن طاووس قال أتي عمر بامرأة قد حملت من رجل فقالت تزوجني فلان فقال إني تزوجتها بشهادة من أمي وأختي ففرق بينهما ودرأ عنهما الحد وقال لا نكاح إلا بولي وروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة قال كان أبي يقول لا يصلح نكاح السر وقال داود بن قيس سمعت نافعا - مولى بن عمر - يقول ليس في الإسلام نكاح سر قال عبد الله بن عتبة شر النكاح نكاح السر وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال الفرق ما بين السفاح والنكاح الشهود والثوري عن منصور عن إبراهيم قال في رجل تزوج بغير شهود قال يفرق بينهما ويعاقب قال أبو عمر نكاح السر عند مالك وأصحابه أن يستكتم الشهود أو يكون عليه من الشهود رجل وامرأتان ونحو ذلك مما يقصد به إلى التستر وترك الإعلان وروى بن القاسم عن مالك قال لو تزوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز واستشهدا فيما يستقبلان وروى بن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمها قال يفرق بينهما بتطليقة ولا يجوز النكاح ولها صداقها أن كان أصابها ولا يعاقب الشاهدان أن كانا جهلا ذلك وإن كانا أتيا ذلك بمعرفة أن ذلك لا يصلح عوقبا. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما اكتما جاز النكاح وهو قول يحيى بن يحيى صاحبنا قال كل نكاح شهد عليه رجلان فقد خرج من حد السر وأظنه حكاه عن الليث بن سعد والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم كل نكاح لم يشهد عليه رجلان فصاعدا ويفسخ على كل حال قال أبو عمر مالك - رحمه الله يرى أن النكاح منعقد برضا الزوجين المالكين لأنفسهما وولي المرأة أو رضا الوليين في الصغار ومن جرى مجراهم من البوالغ الكبار على ما ذكرنا من مذهبه في باب الأولياء وليس الشهود في النكاح عنده من فرائض عقد النكاح ويجوز عقده بغير شهود وهو قول الليث والحجة لمذهبه أن البيوع التي ذكر الله فيها الإشهاد عند العقد قد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى بأن لا يكون الإشهاد فيه من شروط فرائضه وإنما الفرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أعلنوا النكاح)) وقول مالك هذا هو قول بن شهاب وأكثر أهل المدينة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن صالح لا نكاح إلا بشهود. وقال الشافعي والحسن والثوري أقل ذلك شاهدا عدل إلا أن الشافعي قال شهود النكاح على العدالة حتى تتبين الجرحة في حين العقد. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز أن ينعقد النكاح بشهادة أعميين ومحدودين في قذف وفاسقين قال أبو عمر ذهب هؤلاء إلى أن الإعلان المأمور به في النكاح هو الإشهاد في حين العقد ولم يشترطوا في الإعلان العدالة وروي عن بن عباس أنه قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد ولا مخالف له من الصحابة علمته وعن بن عباس أيضا أنه قال البغاء اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة قال أبو عمر قد علم أن البغي لو أعلنت ببغيها حدت ولم يدخل إعلانها زناها في باب إعلان كما أن مهر البغي لو كان أكثر من مهر الصداق لم يكن ذلك حلالا كقول بن عباس إنما هو تحريض على الإشهاد ومدح له ونهي عن تركه وذم له ليوقف عند السنة فيه ولا يتعدى كما قيل كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا ومعلوم أنه لا قول ولا دية في كسر عظم الميت وإنما اشتبهن في الإثم كما أشبه ترك الإشهاد والإعلان بما يستر من الفواحش في غير الإثم قال أبو عمر الحديث في هذا الباب عن عمر إنما ورد في نكاح لم يحضره إلا رجل وامرأة فجعله سرا إذ لم تتم فيه الشهادة وقد اختلف الفقهاء في النكاح بشهادة رجل وامرأتين فأجاز ذلك الكوفيون وهو قول الشعبي. وقال الشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل لا يجوز إلا بشهادة رجلين وهو قول النخعي ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح والطلاق كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود وإنما تجوز في الأموال. وأما مالك فحكم شهادة النساء عنده أنها لا تجوز في النكاح والطلاق ولا في غير الأموال إلا أنه جائز عنده عقد النكاح بغير بينة إذا أعلنوه ويشهدون بعد متى شاؤوا. 1084- وقال مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب وأن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا قال مالك وقال سعيد بن المسيب ولها مهرها بما استحل منها قال أبو عمر الخبر بهذا عن عمر روي من وجوه من رواية أهل الحجاز وأهل العراق وقال به جماعة من أهل المدينة وروي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود خلافه ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن صالح عن الشعبي عن علي - رضي الله عنه - قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها وعن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها وعن بن جريج قال أخبرني عطاء أن عليا أتي بامرأة نكحت في عدتها ودخل بها ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذه عدة مستقبلة فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا قال أبو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة على هذين القولين فقال مالك والأوزاعي والليث من تزوج امرأة في عدة من غيره ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا وزاد مالك ولا بملك يمين. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري إذا انقضت عدتها من الأول فلا بأس أن يتزوجها الآخر فهؤلاء ومن تابعهم قالوا بقول علي. وقال مالك ومن تابعه بقول عمر قال أبو عمر وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم على أنه لو زنا بها جاز له تزويجها ولم تحرم عليه فالنكاح في العدة أحرى بذلك. وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي وفي بعض نسخ ((الموطإ)) من رواية يحيى طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ولا أعلم أحدا قاله وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة وروى معمر عن الزهري عن بن المسيب أن طليحة بنت عبيد الله نكحت رشيد الثقفي في عدتها فجلدها عمر بالدرة وقضى أيما رجل نكح امرأة في عدتها فأصابها فإنهما يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا وتستقبل بقية عدتها من الأول ثم تستقبل عدتها من الآخر وأن كان لم يمسها فإنه يفرق بينهما حتى تستكمل بقية عدتها من الأول ثم يخطبها مع الخطاب قال الزهري ولا أدري كم بلغ ذلك الجلد قال وجلد عبد الملك في ذلك كل واحده منهما أربعين جلدة قال فسئل عن ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين ورواه بن جريج عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب فذكر حديث معمر وحديث معمر أتم ولم يذكر بن جريج جلد عبد الملك وقول قبيصة وروى معمر عن الزهري أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار اختلفا فقال بن المسيب لها صداقها وقال بن يسار صداقها في بيت المال وقال بن جريج أخبرني عبد الكريم وعمرو - يزيد أحدهما على صاحبه - أن رشيد بن عثمان بن عامر من بني معتب الثقفي نكح طليحة ابنة عبيد الله أخت طليحة بن عبيد الله في بقية عدتها من آخر وأن عمر بن الخطاب قال إذا دخل بها فرق بينهما ولا ينكحها أبدا ولها الصداق بما أصاب منها ثم تعتد بقية عدتها ثم تعتد من هذا وأن كان لم يدخل بها اعتدت بقية عدتها ثم ينكحها أن شاءت قلت ذكروا جلدا قال لا قال أبو عمر قد روى الشعبي عن مسروق عن عمر أن الصداق في بيت المال كما قال سليمان بن يسار ولم يذكر مالك قول سليمان بن يسار في حديثه عن بن شهاب كما ذكره معمر لوجوه منها رجوع عمر عنه ومنها أن السنة الثابتة قضت بأن للمرأة في النكاح الباطل مهرها بما استحل منها وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما تقدم وهذا يدل على فقه مالك - رحمه الله - وعلمه بالأثر وحسن اختياره وروى الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر قال مهرها في بيت المال ولا يجتمعان قال الثوري. وأخبرني أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان قال عبد الرزاق عن الثوري بذلك كله وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن برد عن مكحول قال فرق عمر بينهما وجعل صداقها في بيت المال قال وقال الزهري لم يكن صداقها في بيت المال هو بما أصابها من فرجها قال. وحدثني بن علية عن صالح بن مسلم عن الشعبي قال قال عمر يفرق بينهما ويجعل صداقها في بيت المال وقال علي يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها قال. وحدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مثل قول علي سواء وهو قول إبراهيم والحكم وجمهور العلماء قال. وحدثني بن نمير عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق قال قضى عمر في امرأة تزوجت في عدتها أن يفرق بينهما ما عاشا ويجعل صداقها في بيت المال وقال كان نكاحها حراما وصداقها حراما وقضى فيها علي أن يفرقهما وتوفي ما بقي من عدة الزوج الأول ثم تعتد ثلاثة قروء ولها الصداق بما استحل من فرجها ثم أن شاء خطبها بعد ذلك قال أبو عمر روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في هذا الخبر قصة عمر وقصة علي ولم يرو عن الشعبي رجوع عمر إلى قول علي لأن الصداق لها بإصابته لها وأنهما يتناكحان بعد تمام العدة أن شاء ورواه غيره عن الشعبي وكان وجه منع عمر أن يتناكحا بعد تمام بعد أن مسها عقوبة وجعل مهرها في بيت المال عقوبة إلا أنه قد روي عنه أنه رجع عن ذلك إلى قول علي على ما ذكرنا وهي السنة في كل من وطئت بشبهة. وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني نعيم بن حماد قال أخبرنا بن المبارك قال حدثني أشعث عن الشعبي عن مسروق قال بلغ عمر أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما يفرق بينهما وعاقبهما وقال لا ينكحها أبدا وجعل صداقها في بيت المال وفشا ذلك في الناس فبلغ عليا فقال يرحم الله أمير المؤمنين ما قال الصداق وبيت المال إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة قيل فما تقول أنت فيهماقال لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة قروء ثم يخطبها أن شاء فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال أيها الناس ! ردوا الجهالات إلى السنة قال أبو عمر قد اختلف العلماء في العدة من اثنين على حسب هذه القضية فقال مالك في رواية بن القاسم والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد إذا وجبت عليها العدة من رجلين فإن عدة واحدة تكون لهما جميعا سواء كانت العدة بالحمل أو بالحيض أو بالشهور. وقال الشافعي والحسن بن حي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق تتم بقية عدتها من الأول وتستأنف عدة أخرى من الآخر على ما روي عن علي وعمر - رضي الله عنهما - وهي رواية أهل المدينة عن مالك والحجة لما رواه بن القاسم عن مالك ومن قال من الفقهاء بذلك إجماعهم على أن الأول ينكحها في بقية العدة منه فدل ذلك على أنها في عدة من الآخر ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه وهذا غير لازم لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني وهما حقان قد وجبا عليها للزوجين كسائر حقوق الآدميين لا يدخل أحدهما في صاحبه قال أبو عمر وقد اختلف قول مالك فيمن نكح في العدة عالما بالتحريم فمرة قال العالم بالتحريم والجاهل في ذلك سواء لا حد عليه على ظاهر خبر عمر وغيره في ذلك والصداق فيه لازم والولد لاحق ولا يعاقبان ولا يتناكحان أبدا ومرة قال العالم بالتحريم كالزاني يحد ولا يلحق به الولد وينكحها بعد الأستبراء والأول عنه أشهر قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشرا إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل قال أبو عمر هذا يدل من قولهم على أن الأربعة الأشهر والعشرة لا تبرىء المتوفى عنها زوجها إلا أن تحيض فيهن أقل شيء حيضة وإنها إن لم تحض مرتابة إلا أن يكون أمر حيضتها بين الحيضتين أكثر من أربعة أشهر وعشر فلا ريبة حينئذ بها إلا أن تتهم نفسها بحمل وقول الليث في ذلك كقول مالك. وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي والشافعي إذا انقضت أربعة أشهر وعشر بغير مخافة منها على نفسها حملا جاز لها النكاح وإن لم تحض قال أبو عمر من قال بأن الحامل تحيض ينكسر قوله في هذه المسألة إن شرط الحمل والله أعلم. 1085- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما. 1086- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم قال مالك ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا لحرة ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولا لحرة إلا أن يخشى العنت وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) [النساء 25]. وقال (ذلك لمن خشي العنت منكم) [النساء 25]. قال مالك والعنت هو الزنى قال أبو عمر أما نكاح الأمة لمن عنده حرة فقد اختلف العلماء في ذلك واختلف فيه أيضا قول مالك فقال مالك في رواية بن وهب وغيره عنه لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة والحرة بالخيار قال وإن تزوج الحرة على الأمة والحرة تعلم فلا خيار لها وإن لم تعلم ثبت الخيار وقال بن القاسم عنه في الأمة تنكح على الحرة أرى أن يفرق بينهما ثم رجع فقال تخير الحرة إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت قال وسئل مالك عن رجل تزوج أمة وهو ممن يجد الطول قال أرى أن يفرق بينهما فقيل له إنه يخاف العنت قال والشرط يضر به ثم خففه بعد ذلك قلت فإن كان لا يخشى العنت قال كان يقول مرة ليس له أن يتزوجها وقال عثمان البتي لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يجوز لأحد أن يتزوج أمة وعنده حرة ولا يصح عندهم نكاح الأمة على الحرة ولا فرق بينهم على إذن الحرة وغير إذنها وهو قول سعيد بن المسيب - في رواية - والحسن والزهري قال عطاء جاز أن ينكح الأمة على الحرة إذا رضيت الحرة بذلك ويكون للأمة الثلث من القسمة والثلثان للحرة وأجاز ذلك مالك كما تقدم عنه إلا أن الحرة بالخيار. وأما اختلافهم في نكاح الحرة على الأمة فقد تقدم مالك في ذلك أيضا وهو قول بن شهاب وأجازه علي - رضي الله عنه وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور كل هؤلاء يجيزون نكاح الحرة على الأمة ولا يجيز نكاح الأمة على الحرة ذكر أبو بكر قال حدثني عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال يتزوج الحرة على الأمة ولا يتزوج الأمة على الحرة ولم يذكر إذن الحرة. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تزويج الحرة على الأمة طلاق للأمة وهو قول بن عباس وإبراهيم النخعي إلا أن إبراهيم قال يفارق الأمة إلا أن يكون له منها ولد فإن كان لم يفرق بينهما وقال مسروق من كانت تحته أمة فوجد سعة ونكح حرة طلقت الأمة وحرمت عليه كالميتة تكون عند المضطر ثم يجد ما يأكل قال أبو عمر قال الله عز وجل (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) [النساء 25]. يعني الحرائر والمؤمنات (فمن ما ملكت أيمانكم) [النساء 25]. يعني ملك اليمين من بعضكم لبعض فإنه لا يحل لأحد أن يتزوج أمة عند الجميع (من فتياتكم المؤمنات) [النساء 25]. يقول من إمائكم المؤمنات وهذا التفسير مما لم يختلف فيه واختلفوا في الطول المذكور في هذه الآية فقال أكثر أهل العلم الطول المال ومعناه ها هنا وجود صداق الحرة في ملكه وممن قال بهذا مالك في بعض أقاويله والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال أحمد بن المعذل قال عبد الملك الطول كلما يقدر به على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ما قال وكل ما يمكن بيعه أو إجارته فهو طول قال وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاث طولا قال وقد سمعت ذلك من مالك قال عبد الملك لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها قال أبو عمر روي عن بن عباس وجابر وجماعة من السلف أنهم قالوا الطول المال فمن وجد صداق حرة فهو طول واحد أخبرنا سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا. وحدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن بن عباس في قوله (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) [النساء 25]. يقول هذا لمن لم تكن له سعة أن ينكح الحرائر فلينكح من إماء المؤمنين ذلك لمن خشي العنت وهو الفجور وليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة ويخشى العنت قال وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة وروى سعيد بن عروبة عن خالد بن ميمون عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال إنما أحل الله نكاح الإماء لمن لم يستطع طولا وخشي العنت على نفسه وعن عامر الشعبي والحسن البصري وسعيد بن جبير مثله وقال سعيد بن جبير ما ارتجف نكاح الأمة عن الزنى إلا قليلا قال الله عز وجل (وأن تصبروا) [النساء 25]. يعني عن نكاح الإماء خير لكم قال أبو عمر لا يجوز عند الشافعي ومن ذكرنا من السلف وأهل الفتيا بالأمصار لأحد من الأحرار أن يتزوج الأمة الا باجتماع الشرطين اللذين ذكر الله تعالى في هذه الآية وهما عدم الطول وخوف العنت فإن تزوجها على غير هذين الشرطين فنكاحها باطل وقالت طائفة جائز لمن خشي العنت أن يتزوج الأمة وإن كان موسرا وقال بعضهم يتزوج التي يخاف على نفسه منها الزنى بها دون غيرها وإن كان موسرا وروى بن المبارك وعبد الرزاق وبن جرير عن عطاء قال لا بأس بنكاح الأمة إن خشي على نفسه وإن كان موسرا وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال إن خشي العنت فليتزوجها يعني الحر وإن كان ذا طول قال أبو عمر لا أدري من قول من هو يعني الحر وإن كان ذا طول لأنه قد تقدم عن جابر قول مجمل من وجد صداق حرة أنه يحرم عليه الأمة ولم يذكر العنت وروى شعبة قال سألت الحكم وحمادا عن الرجل يتزوج الأمة قال إذا خشي العنت فلا بأس وهو قول قتادة وإبراهيم والثوري في رواية وقال آخرون جائز أن ينكح الأمة من له طول وحده وإن لم يخف العنت إلا أن تكون عنده حرة فمن كان في عصمته حرة فلا يحل له نكاح أمة هذا قول أبي حنيفة وأصحابه وطائفة من السلف والطول عندهم وجود حرة في عصمته فإن كانت تحته حرة حرم عليه نكاح الإماء وإن لم تكن عنده حرة لم يحرم عليه نكاح الإماء وإن كان غنيا وقال آخرون جائز نكاح الإماء على كل حال لقوله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء 3]. يعني ما حل وقد أحل الله نكاح الإماء والكتابيات وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد في الذي ينكح الأمة قال هو مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية وإن كان موسرا قال وبه يأخذ سفيان ويقول لا بأس بنكاح الأمة وذلك أني سألته عن نكاح الأمة فحدثني عن بن ابي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي - رضي الله عنه - قال إذا نكحت الحرة على الأمة كان للحرة يومان وللأمة يوم قال ولم ير به علي بأسا قال أبو عمر من أجاز نكاح الأمة لواجد الطول على حرة قال شرط الله تعالى في نكاح الإماء عدم الطول وخوف العنت وهو كشرطه عدم الخوف من الجور في إباحة الأربع من الحرائر وقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) [النساء 25]. إلى قوله (لمن خشى العنت منكم) [النساء 25]. كقوله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) [النساء 3]. وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف ألا يعدل قالوا فكذلك له تزوج الأمة وإن كان واجدا للطول غير خائف للعنت قال أبو عمر ليس هذا بصحيح لأن الله عز وجل قد شرط عدم الاستطاعة في مواضع من كتابه فلم يختلفوا أن ذلك لا يجوز إلا على شرط الله تعالى مثل قوله في آية الظهار (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) [المجادلة 4]. فلم يختلفوا أن الإطعام لا يجوز لمستطيع الصيام وكذلك قوله (فمن لم يجد فصيام شهرين) [النساء 4]. في القتل وفي كفارة اليمين (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) [المائدة 89]. ولم يختلف علماء المسلمين أن ذلك لا يجوز إلا لمن لم يجد ما ذكر الله وجوده في الآيتين. وأما شرط الخوف في نكاح الأربع فهو أشبه الأشياء بشرط الخوف في القصر بالسفر وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر للآمن وكذلك بين نكاح الأربع للحر مع الخوف ألا يعدل لأن خوفه ليس بيقين والقول في هذا يطول وفيما لوحنا به كفاية - إن شاء الله تعالى واختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي لا يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الإماء فقال مالك إذا كان ذلك جاز له أن ينكح من الإماء أربعا وهو قول أبي حنيفة وبن شهاب والزهري والحارث العكلي وقال حماد بن أبي سليمان ليس له أن ينكح من الإماء أكثر من اثنتين. وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق ليس له أن ينكح من الإماء إلا واحدة وهو قول بن عباس ومسروق وجماعة وبالله التوفيق. 1087- مالك عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر اختلف العلماء في أسم أبي عبد الرحمن - شيخ بن شهاب - في هذا الخبر فقيل سليمان بن يسار وهو عندي بعيد لأن سليمان بن يسار ليس عند بن شهاب ممن يستر اسمه ويكنى عنه لجلالته عنده ويدلك على ذلك أنه قد صرح باسمه في أحاديث كثيرة حدث بها عنه وممن قال أنه سليمان بن يسار وكيع بن الجراح وروي هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت ثم قال وكيع أبو عبد الرحمن هو سليمان بن يسار وقيل هو أبو الزناد وهذا أبعد أيضا لأن أبا الزناد لم يرو عن زيد بن ثابت ولا رآه وإنما يروي الفرائض وغيرها عن خارجة ابنه وما يروي بن شهاب عن كبار الموالي إلا قليلا عن الجلة منهم فكيف يروي عن أبي الزناد وهو من صغارهم عنده وقيل هو طاوس وهذا عندي قريب وأولى بالحق وإنما كتم أسمه مع فضله وجلالته لأن طاوس كان يطعن على بني أمية وربما دعا عليهم في بعض مجالسه فكان يذهب فيهم مذهب بن عباس شيخه وكان بن شهاب يدخل عليهم ويقبل جوائزهم وقد سئل بن شهاب في مجلس هشام أتروي عن طاوس فقال لسائله أما إنك لو رأيت طاوس لعلمت أنه لا يكذب ولا يجد ولم يجبه بأنه يروي عنه أو لا يروي عنه فهذا كله دليل على أن أبا عبد الرحمن المذكور في هذا الحديث طاوس والله تعالى أعلم. 1088- مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين فقالا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. 1089- مالك أنه سأل بن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها واحدة فقال تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر قال الله عز وجل (فإن طلقها) - يعني الثالثة - (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) [البقرة 230]. فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها لا بملك يمينه وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكان بن عباس وعطاء والحسن يقولون إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله - عز وجل (أو ما ملكت أيمانكم) [النساء 25]. قال أبو عمر هذا خطأ من القول لأن قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم) [النساء 25]. لا يبيح الأمهات ولا الأخوات ولا البنات فكذلك سائر المحرمات وقال عطاء لو اشتراها الزوج فأصابها ثم أعتقها جاز له نكاحها ولو لم يصبها بعد ما اشتراها حتى أعتقها لم تحل له وروي مثل ذلك ومثل هذا عن زيد بن ثابت وروي عن زيد من وجوه أنها لا تحل بحال حتى تنكح زوجا غيره وهو الصحيح عنه. وأما وطء السيد لأمته التي قد بت طلاقها زوجها فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم هل يحلها ذلك الوطء لزوجها أم لا فروي عن علي - رضي الله عنه - أنه سئل عن الأمة يبتها زوجها ثم يطأها سيدها هل يحل لزوجها أن يراجعها فقال ليس بزوج ذكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق قالا حدثني هشيم عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن أبي رافع ان عثمان بن عفان سئل عن ذلك وعنده علي وزيد قال فرخص في ذلك عثمان وزيد قالا هو زوج فقام علي مغضبا كرها لما قالا وقال ليس بزوج ليس بزوج قال. وحدثني هشيم عن خالد عن أبي معشر عن إبراهيم أن عليا قال ليس بزوج - يعني السيد وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي الزناد وعليه جماعة فقهاء الأمصار وروي عن عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك وقد تقدم حديث عثمان وزيد روى هشيم أيضا عن يونس عن الحسن عن زيد بن ثابت قال هو زوج إذا لم يرد الإحلال قال بن أبي شيبة. وحدثني عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت والزبير بن العوام كانا لا يريان بأسا إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين وهي أمه ثم غشيها سيدها غشيانا لا يريد بذلك مخالفة ولا إحلالا أن ترجع إلى زوجها بخطبة وصداق قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون الزوج عبدا فيكونا ممن يرى الطلاق بالرجال أو يكون حرا فيكون على مذهب من قال الطلاق بالنساء قال مالك في الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه وهي لغيره حتى تلد منه وهي في ملكه بعد ابتياعه إياها قال مالك وإن اشتراها وهي حامل منه ثم وضعت عنده كانت أم ولده بذلك الحمل فيما نرى والله أعلم قال أبو عمر لأئمة الفتوى في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها قول مالك تلخيصه إن ملكها وهي حامل منه صارت أم ولد له وإن ملكها بعد ما ولدت لم تكن أم ولد وهو قول الليث. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا تزوج أمه فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولد. وقال الشافعي لا تكون أم ولد وإن ملكها حاملا حتى تحمل منه في ملكه ونحوه قول الثوري وأبي ثور وأحمد وإسحاق قال أبو عمر إنما تكون الأمة أم ولد إذا ولدت من يكون تبعا لأبيه وذلك لا يكون إذا كانت ملكا لغيره موطوءة بنكاح فإذا وطئت بملك يمين كان ولدها تبعا لأبيه وصارت بذلك أم ولد. وأما إذا ولدت وهي أمة فولدها غير تبع لها فكيف تكون له أم ولد وهذا واضح - إن شاء الله تعالى.
|